الثلاثية الأولى
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا: فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا،
وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا،
وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ. وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ،
وَإِضَاعَةِ الْمَال» رواه مسلم وأحمد.
وفي بعض الطرق:«آمركم بثلاث، وأنهاكم عن ثلاث» رواه ابن حبان.
الأمر الأول الذي يرضاه الله وأمر به: عبادته.
والله ما أوجدنا على الأرض إلا من أجل عبادته،
قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
فما هي العبادة؟
العبادة هي التذلل لله محبة وتعظيماً، وهي اسم جامع لكل ما يحبه الله.
فكل ما أمر الله به، أو أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم فهذه عبادة.
فإذا كان الله تعالى قد أوجدنا في الأرض لذلك فإن من الغبن الفاحش أن يغفل الإنسان عنها.
قال صلى الله عليه وسلم :«تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا»، وقد سبق تعريف العبادة،
فما هو الشرك؟
الشرك في اللغة من المشاركة، وفي الشرع : أن تجعل لله نداً في ألوهيته، أو ربوبيته، أو أسمائه وصفاته.
الشرك في الألوهية أن تتوجَّه بالعبادة لغير الله ، وكان الواجبُ أن يُفردَ اللهُ بها.
في الربوبية: أن لا تفرد الله بأفعاله،
فتعتقد أنّ فلاناً يحيي ويميت، ويفعل ما لا يقدر عليه إلا الله.
في الأسماء والصفات أن تنعت شخصاً بصفة لا تنبغي إلا لله.
والشرك قسمان: أصغر، وأكبر ..
فما هو الشرك الأصغر؟
ضابط الشرك الأصغر أيها المؤمنون: "كل ما نهى الله تعالى عنه مما هو ذريعة إلى الأكبر،
وكان وسيلة للوقوع فيه، وجاء في النصوص تسميته شركاً،
ولم يصل إلى حد صرف العبادة إلى غير الله " . كالحلف بغير الله ويسير الرياء .
فما هو الفرق بين الشركين الأكبر والأصغر ؟
1.الأكبر يخرج من الملة والأصغر لا يخرج منها.
2.الأكبر يخلد في النار والأصغر لا يخلد فيها.
3.الأكبر يحبط العمل بخلاف الأصغر.
4.الأكبر يبيح الدم والأصغر لا يبيحه.
5.الأكبر يمنع الموالاة مطلقاً.
ويكفي في التحذير من الشرك أنّ الله لا يغفره، قال تعالى:
( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء).
الأمر الثانى :
قال صلى الله عليه وسلم :« وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»
وقد أمر الله بذلك، قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
وقال تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
وتأمل أيها القارئ الكريم ما يدل على أهمية هذا الاعتصام:
في سنن ابن ماجه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث جيشا من المسلمين إلى المشركين،
فحاصر مسلم كافر، فقال الكافر: إني مسلم . فطعنه فقتله .
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت، قال «وما الذي صنعت»؟
فأخبره بالذي صنع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فهلا شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه»؟
قال: يا رسول الله لو شققت بطنه لكنت أعلم ما في قلبه.
قال :«فلا أنت قبلت ما تكلم به، ولا أنت تعلم ما في قلبه»!
فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات،
قال الراوي: فدفناه، فأصبح على ظهر الأرض. فقالوا: لعل عدوا نبشه.
فدفناه . ثم أمرنا غلماننا يحرسونه . فأصبح على ظهر الأرض .
فقلنا لعل الغلمان نَعَسُوا . فدفناه ثم حرسناه بأنفسنا فأصبح على ظهر الأرض .
فألقيناه في بعض تلك الشعاب فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
«إن الأرض لتقبل من هو شر منه، ولكن الله أحب أن يريَكم تعظيم حرمة لا إله إلا الله».
ومع ذلك فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم بقتل من أراد أن يفرق جمعنا،
لأن حرمة اجتماع المسلمين أعظم من حرمة المسلم.
فمتى يترك الناس الموالاة والمعاداة على جماعات وجمعيات وأحزاب تفت في عضد هذه الأمة؟
متى تكون دعوتنا لله؟ وولاؤنا لله؟ ومحبتنا لله؟
وبغضنا لله؟ كثير من الناس يظن أنه يدعو إلى الله،
وإنما يدعو لحزبه أو جماعته أو نفسه! فلا يراد بالأخ عند هؤلاء إلا من انتمى إلى جماعتهم،
أما غير المنتمين إليهم فلا يطلق عليه لفظ الأخوة، والله يقول: (إنما المؤمنون إخوة).
سمعت أحدهم يسأل عن آخر فقال له أتعرف فلاناً؟ فرد عليه:
من الإخوان؟ فكان الجواب: لا، من عامة الناس! والله يقول:
( إنما المؤمنون إخوة). فمتى نعقل ذلك؟
الأمر الثالث:
«وتطيعوا لمن ولاه الله عليكم أمركم»
وقد كثرت النصوص التي أوجب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، بل إن الله في القرآن قد أمرنا بطاعتهم، قال الله تعالى:
( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
ولعلي أختم بهذا الحديث الذي أخرجه مسلم عن عَوْف بْن مَالِكٍ الأَشْجَعِىَّ رضي الله عنه قال:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ،
وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ،
وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ».
قَالُوا: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: « لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ أَلاَ مَنْ وَلِىَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِى شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِى مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ».